العقيدة أهم الأمور، و هي أعظم واجب ،وحقيقتها : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه وهو المستحق للعبادة،والشهادة له بذلك ،وهي شهادة بأن لا إله إلا الله ،يشهد المؤمن بأنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى- والشهادة بأن محمدا رسول الله، أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء كل هذا لابد منه‛ وهذا من صلب العقيدة، فلابد من هذا في حق الرجال والنساء جميعاً، وهو أساس الدين وأساس الملة والنحلة، كما يجب الإيمان بما أخبر الله به، ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو الشمال ،ووزن الأعمال الصالحة إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. فالجهل بهذا لا يكون عذرا، بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ،وهذا يسمي معرضا ويسمي غافلا متجاهلا لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر،كما قال الله تعالى: "أم تحسب أن اكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"[ سورة الفرقان : رقم الآية:٤٤]. وقال سبحانه وتعالى: ولقد ذرأنا كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" [سورة الأعراف: رقم الآية:١٧٩].
وقال تعالى في أمثالهم إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون [سورة الأعراف: رقم الآية:٣٠]. إلى امثال هذه الآيات القرآنية العظيمة التي لم يعذر فيها سبحان الظالمين بجهلهم وإعراضهم و غفلتهم.
فأرى من المناسب أن أبين معنى الجهل قبل الدخول في صلب الموضوع :
الجهل يأتي بعدة معان منها: خلو النفس من العلم (١). وهو المشهور، و منها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه(٢). ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا (٣). كما في قوله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"[ سورة الحجرات: رقم الآية:٦].
و مقصود العلماء بالجهل الذي يعذر صاحبه أو يعذر أن يقول قولا أو يفعل فعلا بخلاف ما حقه أن يفعل،او يعتقد اعتقادا بخلاف ما هو عليه من الحق.
الجهل نوعان: جهل يعذر فيه الإنسان،وجهل لايعذر فيه، فما كان ناشئا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي ،وماكان ناشئا عن خلاف ذلك،
أي أنه لم يهمل ولم يفرط و لم يقيم المقتضي للتعلم بأن كان لم يخطر على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه فإن كان منتسبا إلى الإسلام،
لم يضره وإن كان منتسبا إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله تعالى على القول الراجح يمتحن فإن اطاع دخل الجنة ، وإن عصى دخل النار.
فعلى هذا من نشأ ببادية بعيد ليس عنده علماء ولم يخطر بباله نجد أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب فهذا يعذر، وله امثلة :منها: رجل بلغ وهو صغير وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئاً،ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، قبقى بعد بلوغه حتى ثم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابة فهذا لا نامره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعليم ولم يخطر له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي . وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة، فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، و يوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة، فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل القول المفيد على كتاب التوحيد ابن صالح العثيمين١/٢٠٤.
وبالإضافة أن العذر بالجهل كما هو معلوم له حالات ، فهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأشخاص يختلفون ،فمنهم من قامت عليه الحجة، ومنهم من لم تقم عليه باعتباره مثلاً حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة،
وكذلك الجهل يختلف إن كان جهلا بما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ما دون ذلك نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي ١/٢٢٥.
ما حكم العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟ نحن نستقراء أن النصوص الشرعية فوجدت في مسألة العذر بالجهل اختلافا كثيرا مثل الاختلافات الفقهية ولاجتهادية، وربما يكون اختلافا لفظيا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي: إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ،أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
النوع الأول:
أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء، ولم يكن يخطر بباله أن دينا يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما شاء الله عزوجل والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب ،كما قال الله تعالى: ولا يظلم ربك أحدا "{سورة الكهف:٤٩}(٦). وانما قلنا: تجري عليه الأحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه, وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم الجوزية- رحمه الله- في كتابه" طريق الهجرتين "عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني:
أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر و لم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ولانهى أحد على ذلك الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم. فمن أدلة الكتاب في قوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" {سورة بني إسرائيل: رقم الآية:١٥} (٧). وقوله: "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون" {سورة القصص: رقم الآية:٥٩}(٨). وجاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم-:" ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل الى مبشرين ومنذرين" {رواه البخاري ومسلم}(٩). وكذلك جاء فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ويختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحا وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفا {فتاوى اللجنة الدائمة للرياض ٢/٩٧}(١٠).
وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- في رسائله أنه لا يكفر أحدا مع الجهل ،و إذا كان قد ذكر في" كشف الشبهات"أنه لا عذر بالجهل: فيحمل على أن المراد بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم العلم مثل أن يعرف أن هناك شيئا يخالف ما هو عليه ،ولكن يفرط، ويتهاون: فحينئذ لا يعذر بالجهل {دروس وفتاوى الحرم المكي :١٤١١ هج}(١١).
وهكذا سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في كتابه :"فتاوى نور على الدرب :١/٢٣٩" (١٢)في حكم العذر بالجهل في أمور التوحيد ؟ فأجاب الشيخ رحمه الله- لا يعذر بذلك -من أقام في بلد التوحيد،
لا يعذر فيه بالجهل، ومادام بين المسلمين ،ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به ،كما يقع الآن في مصروالشام ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره. قالوا وجب على علماء الإسلام أن ينتبهوا الناس، وأن يحذرهم من هذا الشرك ،وأن يعظهم ويذكرهم في المساجد وغيرها،وعلى الإنسان أن يطلب العلم ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره بل يسأل، والله يقول الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" {سورة النحل : رقم الآية:٤٣ }(١٣).
قول الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل : الأصل عند الشيخ رحمه الله -هو العذر بالجهل ،بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بدليل علي أن الجاهل ليس بمعذور، ويرى أنه لو لا العذر بالجهل :ولم يكن للرسل فائدة' و لكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة، ولا حاجة لإرسال الرسل.
لا فرق في العذر بالجهل بين مسائل الاعتقاد ومسائل العمل. لا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبى يختلف من بيئة لأخرى،و من شخص لآخر.الكفر المخرج من الملة قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الترك،و الشيخ ولا يخالف في كون ذلك مخرجا من الملة والنحلة، ولكن الخلاف في تنزيل وصف الكفر على الشخص المعين ،فقد يكون معذور فلا يكون كافرا.
لا يكون الشخص الفاعل للكفر كافرا إذا كان جاهلا، ولا يعلم حكم الشرع في فعلة أو سأل أحد العلماء فأفتوا بجواز فعله، يكون كافرا إذا أقيمت عليه الحجة وازيل عنه الوهم والأشكال { فتاوى ابن عثيمين رحمه الله:٢جواب والسؤال:٢٢٤}(١٤).
أهل السنة والجماعة: أن الجهل عندهم عذر مقبول لكل من ادعاه؛ فالجهل عندهم درجات مختلفة؛ فجهل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، غير جهل ما دون- والجاهل العاجز عن السؤال والعلم؛ غير الجاهل المتمكين مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله تعالى- وكون الرجل يعذر بالجهل عندهم لا يعني ذلك ابقاء منزلته كما هي؛ بل تنحط منزلته و ينقص إيمانه بقدر بعده عن الحق كثيرا ما يقال: هذه من مسائل العقيدة التي لا يعذر من يجهلها أو من مسائل الأصول، أو هذه مسألة قطعية لا عذر فيها ونحو ذلك . وكذلك ليس في العقيدة عذر في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ليس فيها عذر بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويومن بأنه رب العالمين:" وأنه الخلاق العليم"{ سورة الحجر،رقم الآية:٨٤ }(١٥). وأنه المفرد بالربوبية، ليس هناك خالق سواه، وأنه مستحق اللعبادة وحده دون كل ما سواه،وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا لا شبيه له ولا كفء له الذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، الا إذا كان بعيداً عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي ،فإنه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله تعالى، يكون حكمه حكم أهل الفترات ،أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن فإن اجاب جوابا صحيحا دخل الجنة وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار(١٦).
وخلاصة القول أن هذه النصوص الشرعية والدلائل على القاطعة تدل دلالة واضحة على ان الجاهل معذور في باب العقائد عما يقوله او يفعله مما يكون كفرا، كما يكون معذورا بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقا، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة والاعتبار وأقوال أهل العلم
== المراجع والمصادر: ==
(١):المفردات ' ص ١٠٢. لسان العرب: ١١/١٢٩ (٢):المفردات،ص١٠٢،والتعريفات،ص٨٤. (٣): المفردات،ص١٠٢.
(٤):القول المفيد على كتاب التوحيد للإمام محمد صالح العثيمين،١/٢٠٤.
(٥): نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي،١/٢٢٥.
(٦)؛ سورة الكهف: رقم الآية:٤٩.
(٧): سورة بني إسرائيل: رقم الآية:١٥ (٨): سورة القصص: رقم الآية:٥٩.
(٩): بخاري ومسلم. (١٠): فتاوى اللجنة الدائمة للرياض:٢/٩٧.
(١١): دروس وفتاوى الحرم المكي:١٤١١هجه.
(١٢): فتاوى نور على الدرب:١/٢٣٩.
(١٣) سورة النحل،رقم الآية:٤٣.
(١٤) فتاوى ابن العثيمين:٢/ جواب السؤال/٢٢٤
(١٥): سورة الحجر: رقم الآية،٨٤.
(١٦) : فتاوى نور على الدرب ٢/٢٤٠.
Also, keep in touch with Blurtconnect-ng family on Telegram and Whatsapp